مثل كل مرة-فاطمة بلحاج-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

مثل كل مرة

أمسك الأوراق بين يديه، أخذ أنفاساً وأقسم مراتٍ عدة مع نفسه، أنها ستكون آخر مرة ينحني، وسيرمي بها على طاولة المكتب أمام ناظريه ويعلن اسقالته، ثم ينصرف مرفوع الهامة.
دق الباب، ثم فتحه ودخل، تطلع به وهو يوقع بعض الأوراق، فوقف مكانه صامتاً، ينتظر نظرة منه، إلى أن احترقت أفكاره، وتشتت حروفه التي استخرجها من قاموس جديد، أهداه له صديق بعنوان: التحرر الأبدي من كل شيء لا أبدي! فزفر أنفاساً حانقة، فانتبه المدير وتطلع به قائلا:
_لدي قرارٌ يهمك
فنطق متلعثما بصوتٍ خفيض:
_ وأنا أيضا لدي قرار سيدي
حرك المدير رأسه، ثم مال على كرسيه إلى الوراء قائلا:
_ لقد عينتك رئيسا للقسم الذي خدمت فيه سنوات..
دارت عيناه مما سمع، وابتلع حروفه المشتتة بعسر، فارتسمت على محياه ابتسامة عريضة فقال له:
_ تستحق هذا المنصب، ولكن قل لي ما هو قرارك؟
 نفض عنه غبار القاموس الجديد وقال:
_ ليس له أية أهمية بعد قرارك سيدي!
ثم وضع الأوراق فوق طاولة المكتب بهدوء، وانحنى مثل كل مرة.



 
  فاطمة بلحاج-المغرب (2012-12-31)
Partager

تعليقات:
محمد علي حيدر /الدار البيضاء المغرب 2013-01-30
يقف النص عند تخوم جدلية الموقع والموقف، والحدود التي يتعين فيها اتخاذ قرار الانتصار للموقف على حساب التضحية بالموقع، أو العكس. إنها جدلية تؤطر الانحياز للمبادئ والكرامة، وتُعَبِّدُ الطريق أمام ممارسة الحرية في الاختيار، أو تؤطر الانحياز لموقع "يحتله الإنسان"، وإن جعله منحني القامة كما يوحي به عنوان النص "مثل كل مرة"...
وُفقت الكاتبة في رسم تجليات هذا الصراع على مستويات الخطاب السردي الذي تتبع مراحل الصراع النفسي عبر الأفعال الماضية المُحِيلَة على الكرامة، والأفعال المضارعة المُحِيلَة على مرحلة تَكَسُّرِ الحلم على صخرة الواقع، وعبر حرف العطف "ثم" الذي يفيد الترتيب، وعبر الحوار الداخلي للشخصية التي تحتل الموقع الأدنى عند اتخاذها قرار التحرر الأبدي من كل شيء لا أبدي، وهو ما يجسد الانتصار لموقف عدم الانحناء أمام موقع الشخصية التي تتخذ قرارها النافذ المجسد للسلطة الأعلى...
على مستوى المواجهة بين الموقف والموقع، يجسد الحوار بين الشخصيتين كيف انتصر إغراء الموقع على صلابة الموقف، فما أن صدر قرار التعيين في موقع رئيس القسم حتى تبخرت إرادة التحدي ولم تعد لها أهمية. عند هذا الحد تسدل الكاتبة الستار على مشهد يعلن عن فحوى البنية العميقة للنص لتقول: "ثم وضع الأوراق فوق طاولة المكتب بهدوء، وانحنى مثل كل مرة".
أقول لفاطمة بلحاج: تمسكي بالورق والقلم كل مرة، فأنت تمتلكين مؤهلات واعدة في مجال السرد. أتمنى أن أقرأ لك مرة أخرى...
البريد الإلكتروني : haidarali31@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مثل كل مرة-فاطمة بلحاج-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia